سورة الحجر - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)}
قرئ {فَأَسْرِ} بقطع الهمزة ووصلها من أسرى وسرى.
وروى صاحب الكشاف عن صاحب الإقليد فسر {مِنْ} السير والقطع آخر الليل.
قال الشاعر:
افتحي الباب وانظري في النجوم *** كم علينا من قطع ليل بهيم
وقوله: {واتبع أدبارهم} معناه: اتبع آثار بناتك وأهلك. وقوله: {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ} الفائدة فيه أشياء: أحدها: لئلا يتخلف منكم أحد فينا له العذاب.
وثانيها: لئلا يرى عظيم ما ينزل بهم من البلاء.
وثالثها: معناه الإسراع وترك الاهتمام لما خلف وراءه كما تقول: امض لشأنك ولا تعرج على شيء.
ورابعها: لو بقي منه متاع في ذلك الموضع، فلا يرجعن بسببه ألبتة. وقوله: {وامضوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} قال ابن عباس: يعني الشام.
قال المفضل: حيث يقول لكم جبريل. وذلك لأن جبريل عليه السلام أمرهم أن يمضوا إلى قرية معينة أهلها ما عملوا مثل عمل قوم لوط. وقوله: {وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ} عدى قضينا بإلى، لأنه ضمن معنى أوحينا، كأنه قيل: وأوحيناه إليه مقضياً مبتوتاً، ونظيره قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إلى بَنِى إسراءيل} [الإسراء: 4] وقوله؛ {ثُمَّ اقضوا إِلَيَّ} [يونس: 71] ثم إنه فسر بعد ذلك القضاء المبتوت بقوله: {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآء مَقْطُوعٌ} وفي إبهامه أولاً، وتفسيره ثانياً تفخيم للأمر وتعظيم له.
وقرأ الأعمش {إِن} بالكسر على الاستئناف كان قائلاً قال أخبرنا عن ذلك الأمر، فقال: إن دابر هؤلاء، وفي قراءة ابن مسعود. وقلنا: {إِنَّ دَابِرَ هَؤُلآء} ودابرهم آخرهم، يعني يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد وقوله: {مُّصْبِحِينَ} أي حال ظهور الصبح.


{وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)}
اعلم أن المراد بأهل المدينة قوم لوط، وليس في الآية دليل على المكان الذي جاؤه إلا أن القصة تدل على أنهم جاؤوا دار لوط. قيل: إن الملائكة لما كانوا في غاية الحسن اشتهر خبرهم حتى وصل إلى قوم لوط. وقيل: امرأة لوط أخبرتهم بذلك، وبالجملة فالقوم قالوا: نزل بلوط ثلاثة من المرد ما رأينا قط أصبح وجهاً ولا أحسن شكلاً منهم فذهبوا إلى دار لوط طلبها منهم لأولئك المرد والاستبشار إظهار السرور فقال لهم لوط لما قصدوا أضيافه كلامين:
الكلام الأول: قال: {إِنَّ هَؤُلآء ضَيْفِى فَلاَ تَفْضَحُونِ} يقال فضحه يفضحه فضحاً وفضيحة إذا أظهر من أمره ما يلزمه به العار، والمعنى أن الضيف يجب إكرامه فإذا قصدتموهم بالسوء كان ذلك إهانة بي، ثم أكد ذلك بقوله: {واتقوا الله وَلاَ تُخْزُونِ} فأجابوه بقولهم: {أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ العالمين} والمعنى: ألسنا قد نهيناك أن تكلمنا في أحد من الناس إذا قصدناه بالفاحشة.
والكلام الثاني: مما قاله لوط قوله: {هؤلاءآء بَنَاتِى إِن كُنْتُمْ فاعلين} قيل: المراد بناته من صلبه، وقيل: المراد نساء قومه، لأن رسول الأمة يكون كالأب لهم وهو كقوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ وأزواجه أمهاتهم} [الأحزاب: 6] وفي قراءة أبي وهو أب لهم، والكلام في هذه المباحث قد مر بالاستقصاء في سورة هود عليه السلام.
أما قوله: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} فيه مسائل:
المسألة الأولى: العمر والعمر واحد وسمي الرجل عمراً تفاؤلاً أن يبقى ومنه قول ابن أحمر:
ذهب الشباب وأخلق العمر ***
وعمر الرجل يعمر عمراً وعمرا، فإذا أقسموا به قالوا: لعمرك وعمرك فتحوا العين لا غير.
قال الزجاج: لأن الفتح أخف عليهم وهم يكثرون القسم بلعمري ولعمرك فالتزموا الأخف.
المسألة الثانية: في قوله: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} قولان:
الأول: أن المراد أن الملائكة قالت للوط عليه السلام: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} أي في غوايتهم يعمهون، أي يتحيرون فكيف يقبلون قولك، ويلتفتون إلى نصيحتك.
والثاني: أن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه تعالى أقسم بحياته وما أقسم بحياة أحد، وذلك يدل على أنه أكرم الخلق على الله تعالى قال النحويون: ارتفع قوله: {لَعَمْرُكَ} بالابتداء والخبر محذوف، والمعنى: لعمرك قسمي وحذف الخبر، لأن في الكلام دليلاً عليه وباب القسم يحذف منه الفعل نحو: بالله لأفعلن، والمعنى: أحلف بالله فيحذف لعلم المخاطب بأنك حالف.
ثم قال تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} أي صيحة جبريل عليه السلام قال أهل المعاني: ليس في الآية دلالة على أن تلك الصيحة صيحة جبريل عليه السلام فإن ثبت ذلك بدليل قوي قيل به، وإلا فليس في الآية دلالة إلا على أنه جاءتهم صيحة عظيمة مهلكة وقوله: {مُشْرِقِينَ} يقال شرق الشارق يشرق شروقاً لكل ما طلع من جانب الشرق، ومنه قولهم ما ذر شارق أي طلع طالع فقوله: {مُشْرِقِينَ} أي داخلين في الشروق يقال أشرق الرجل إذا دخل في الشروق، وهو بزوغ الشمس.
واعلم أن الآية تدل على أنه تعالى عذبهم بثلاثة أنواع من العذاب: أحدها: الصيحة الهائلة المنكرة.
وثانيها: أنه جعل عاليها سافلها.
وثالثها: أنه أمطر عليهم حجارة من سجيل، وكل هذه الأحوال قد مر تفسيرها في سورة هود.
ثم قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِلْمُتَوَسّمِينَ} يقال توسمت في فلان خيراً أي رأيت فيه أثراً منه وتفرسته فيه، واختلفت عبارات المفسرين في تفسير المتوسمين قيل: المتفرسين، وقيل: الناظرين، وقيل: المتفكرين، وقيل: المعتبرين، وقيل: المتبصرين.
قال الزجاج: حقيقة المتوسمين في اللغة المتثبتون في نظرهم حتى يعرفوا سمة الشيء وصفته وعلامته، والمتوسم الناظر في السمة الدالة تقول: توسمت في فلان كذا أي عرفت وسم ذلك وسمته فيه.
ثم قال: {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} الضمير في قوله: {وَإِنَّهَا} عائد إلى مدينة قوم لوط، وقد سبق ذكرها في قوله؛ {وَجَآء أَهْلُ المدينة} وقوله: {لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} أي هذه القرى وما ظهر فيها من آثار قهر الله وغضبه لبسبيل مقيم ثابت لم يندرس ولم يخف، والذين يمرون من الحجاز إلى الشام يشاهدونها.
ثم قال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} أي كل من آمن بالله وصدق الأنبياء والرسل عرف أن ذلك إنما كان لأجل أن الله تعالى انتقم لأنبيائه من أولئك الجهال، أما الذين لا يؤمنون بالله فإنهم يحملونه على حوادث العالم ووقائعه، وعلى حصول القرانات الكوكبية والاتصالات الفلكية، والله أعلم.


{وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79)}
اعلم أن هذه هي القصة الثالثة من القصص المذكورة في هذه السورة. فأولها: قصة آدم وإبليس.
وثانيها: قصة إبراهيم ولوط.
وثالثها: هذه القصة، وأصحاب الأيكة هم قوم شعيب عليه السلام، كانوا أصحاب غياض فكذبوا شعيباً فأهلكهم الله تعالى بعذاب يوم الظلة، وقد ذكر الله تعالى قصتهم في سورة الشعراء، والأيكة الشجر الملتف. يقال: أيكة وأيك كشجرة وشجر.
قال ابن عباس: الأيك هو شجر المقل، وقال الكلبي: الأيكة الغيضة، وقال الزجاج: هؤلاء أهل موضع كان ذا شجر.
قال الواحدي: ومعنى إن واللام للتوكيد وإن هاهنا هي المخففة من الثقيلة، وقوله: {فانتقمنا مِنْهُمْ} قال المفسرون: اشتد الحر فيهم أياماً، ثم اضطرم عليهم المكان ناراً فهلكوا عن آخرهم وقوله: {وَإِنَّهُمَا} فيه قولان:
القول الأول: المراد قرى قوم لوط عليه السلام والأيكة.
والقول الثاني: الضمير للأيكة ومدين لأن شعيباً عليه السلام كان مبعوثاً إليهما فلما ذكر الأيكة دل بذكرها على مدين فجاء بضميرهما وقوله: {لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} أي بطريق واضح والإمام اسم ما يؤتم به.
قال الفراء والزجاج: إنما جعل الطريق إماماً لأنه يؤم ويتبع.
قال ابن قتيبة: لأن المسافر يأتم به حتى يصير إلى الموضع الذي يريده وقوله: {مُّبِينٍ} يحتمل أنه مبين في نفسه ويحتمل أنه مبين لغيره، لأن الطريق يهدي إلى المقصد.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9